معان بين الماضي البعيد والماضي القريب ( الحلقة الخامسة )
معان في مطلع القرن العشرين
كان مطلع القرن العشرين مرحلة جديدة في تاريخ معان، اذ دخلت المدينة في طور النمو والاتساع. وارتبط ذلك بانشاء الخط الحديدي الحجازي. ففي ايلول من عام 1904م تم وصلها مع عمان ودمشق بخط طوله 459 كم. وبعد ذلك بسنتين تم ربط المدورة بمعان. وكان طبيعياً ان تستفيد معان من تدفق الاعداد الكبيرة عليها من العمال والفنيين والمهندسين والاطباء، الذين قدر عددهم بألف شخص واتخذوا منها مركزاً لهم. وبذلك توسعت اتصالاتها التجارية واصبحت حاجاتها من السلع والبضائع تأتي من الخليل والعقبة والكرك ودمشق. ودخلت الى معان سلعة جديدة هي السياحة، فازداد عدد الزوار الى البتراء، وادى ذلك الى انشاء فندق فيها ومستشفى. هذا بالاضافة الى بناء مستودع لقطع الغيار والصيانة. وكان هذا الازدهار كفيلاً باستقطاب عدد من اهالي دمشق للقدوم الى معان والاقامة فيها. وكانت اكبر ضربة تلقتها معان هي تخريب الخط الحديدي وتوقف مرور الحجاج بها من بلاد الشام وبلاد الاناضول، وذلك بعد اعلان الشريف حسين الثورة على رجال الاتحاد والترقي الذين اغتصبوا السلطان العثماني سلطاته الشرعية. وعلى اثر ذلك وجه الشريف حسين جيشه بقيادة ابنه فيصل نحو بلاد الشام، فتحولت معان عندئذ الى نقطة تجمع للعساكر العثمانية. تمكن الجيش الشمالي للشريف الحسين بن علي بقيادة ابنه الثالث الامير فيصل من احتلال الوجه في شمالي الحجاز وذلك في 24 كانون الثاني عام 1917م ، ويتخذ جيدا مركزاً لقيادته. ومن هنا بدأ فيصل باجراء اتصالات مكثفة مع زعماء المناطق في جنوبي بلاد الشام، خاصة زعماء عشائر الحويطات والرولة وعنزة وبني صخر. كان ابرز هؤلاء الرؤساء، بلا شك، عودة ابو تايه من زعماء عشيرة الحويطات، الذي استطاع ان يحرز انتصاراً سريعاً على القوات التركية في 2 تموز سنة 1917م في موقع ابي اللسن. بالرغم من المحاولات العديدة التي قام بها فيصل شخصياً وغيره من قادته، الا انه لم يتمكن من احتلال معان التي كان يتحصن فيها القائد التركي علي وهبي. ويرجع ذلك الى ان القوات التركية كانت متفوقة على الجيش الشمالي عدداً وعدة ونوعية. اما الهجوم الكبير على معان فتم ما بين 15 - 17 نيسان بقيادة الامير فيصل نفسه. وبالرغم من الجهود التي بذلها فيصل الا انه لم يتمكن من دخول معان، اذ ان القوات التركية المستحكمة استطاعت ان ترد فيصل الى تلول السمنات مرة اخرى بعد ان فقد ثلاثمائة من جنوده ما بين قتيل وجريح. اضافة الى نفاذ ذخائره. ازاء هذا الوضع على جبهة معان، وبسالة مقاومة الاتراك، وجد الامير فيصل نفسه مضطراً للتوجه الى الشمال حيث كانت الامور افضل نتيجة للانتصارات التي احرزها الجيش البريطاني في منطقة البلقاء واحتلاله كل من العفولة، طولكرم، بيسان، الناصرة وحيفا بالاضافة الى عمان والسلط. وترك فيصل المسؤولية على جبهة معان لاخيه الامير زيد الذي استطاع. مع عشائر الجازي من الحويطات وعشائر ابن هداية، من اشغال القوات التركية التي بدأت في الانسحاب لانقاذ نفسها من خطر تطويق العساكر البريطانية والعناصر البدوية لها. فانسحب الاتراك من الرشادية والقطرانة والطفيلة في 16/9/1918 من معان، فدخلها الامير زيد في اليوم التالي وغنم ماتركه الاتراك من اسلحة. بعد قيام المملكة العربية في دمشق بقيادة فيصل كانت معان وما جاورها تعتبر جزءاً من تلك المملكة. وعين فيصل لها قائمقام اسمه عبد السلام كمال. الا انه بعد سقوط مملكة فيصل، على اثر انتصار الفرنسيين في معركة ميسلون في24 تموز 1920، فقد اعتبر الشريف حسين معان والعقبة جزء من مملكة الحجاز، وعين لهما منير عبد الهادي كقائمقام. وشارك منير هذا في استقبال الامير عبد الله عند قدومه الى معان في 21 تشرين الثاني 1920م.