معان بين الماضي البعيد والماضي القريب (الحلقة اللرابعة )
معان مطلع العهد العثماني
لقد تميز القرن السادس عشر الميلادي من مطلع العهد العثماني في بلاد الشام، بالاستقرار وبضبط حركات العشائر العربية واعتداءاتها على قافلة الحاج الشريف، وذلك بانشاء شبكة من القلاع الممتدة على موازاة طريق القافلة. حيث يذكر الخياري انه بعد مغادرته مع قافلة الحاج الى معان مر بالحسا، فيذكر ماءها ويشير الى الاعراب الذين كانوا ينقلون الميرة من الدقيق والشعير والمعبوك لعلف الجمال. اما القطرانة فيذكر قلعتها وان))بها جماعة من اهلها مقيمون بها يبيعون فيها التبن وما يشابه بالتدلي من اعلاه. والى جانبها بركة عظيمة الوضع كثيرة النفع اخبرني بعض من ذرع جهاتها الاربع انها تسعون ذراعاً بذراع العمل وان عمقها سبعة اذرع(( ويذكر مرة اخرى ان الميرة والعبوك والدجاج واللبن كانت تباع عندها. من خلال استقراء معلومات الخياري نجد انه يؤكد على النشاط التجاري المرتبط بقافلة الحاج، كما ويكثر الاشارة الى البرك وما فيها من ماء، ومثل هذه الاشارة لها ما يبررها نظراً لقلة الينابيع هنالك. الا انه من الملاحظ غياب العناصر العسكرية العثمانية الرسمية من القلاع حيث نجد ان الاهالي يحلون محلهم في حراسة القلاع. اما الشيخ عبد الغني النابلسي (ت1124هـ/1713م) فقد مر بمعان برفقة قافلة الحاج عائداً من اداء فريضة الحج الشريف سنة 1105- 1106هـ/1693 - 1694م، ويذكرما يلي: ((فأشرفنا على قلعة معان وعلى بساتينها ودورها وبيوتها الحسان، وهناك آبار ماء كثيرة، ومياه غزيرة فجاء اهل القلعة وباعوا على الحجاج من المأكل والفواكه وعلف الدواب وما هو بقية المحتاج، وحصل هناك كمال السرور وتمام الحضور)). ويتضح لنا من المعلومات المتوفرة ان معان كانت تعتمد في وجودها الى حد بعيد على مرور قافلة الحاج الشريف بها، حيث تنتعش تجارتها وتزداد مواردها لقاء تقديمها الخدمات للقافلة. فعندما توسع القائمون على امر الحركة السلفية التي توصف عادة بالحركة الوهابية، كان توسعهم على حساب الحجاز مما ترك آثاراً سلبية على معان. كما وانه عندما قامت قوات الامام سعود بن عبد العزيز (ت 1229هـ/1813م) بمهاجمة الحجاز واحتلال بعض اطرافه، انقطعت قافلة الحاج المصري والشامي سنة 1223هـ-1808م عن المرور بمعان، وادى ذلك الى نتائج سيئة على المدينة واهلها. ان توقف قافلة الحاج عن المرور بمعان احدث تذمراً لدى اهاليها وبدأوا يضيقون بانفسهم، حتى ان الكثير منهم تحولوا الى باعة متجولين يذهبون الى القرى المجاورة للمدينة. كما وهاجر بعضهم اما الى الطفيلة او الى الكرك. الخطر الذي كان يواجه الحجاج كان فعلياً بحيث ان قافلة الحاج المغربي التي قامت بأداء فريضة الحج قد تعرضت للفتك وتوفي عدد من افرادها. وكان مرورها بمعان قد اوجد بعض النشاط التجاري. مما يعود اليه بيركهارت ليذكره من جديد هو انه اذا استمر انقطاع مرور القافلة عن معان، فان معان، بلا ريب، مهددة بالاندثار. معان الشامية والحجازية من حسن الحظ فان بيركهارت يذكر لنا ان عدد سكان البلدة كانوا مائة بيت، موزعين ما بين تلتين تفصل بينهما طرق الحاج، التلة الشرقية تعرف بالشامية والغربية تذكر باسم معان الحجازية. كما وانه لاحظ ان عدداً من ابناء البلدة يعرفون الكتابة والقراءة وان عدداً من الافراد كانوا يجودون القرآن الكريم، وان قسماً من الذين يعرفون القراءة والكتابة كان يعمل لدى شيوخ البدو في ضبط حساباتهم وكتاباتهم. والظاهر ان عناية الاهالي بزراعة المحاصيل كانت ضئيلة فبجانب التجارة كانت عنايتهم مركزة على اشجار الفواكه من الرمان والتين والخوخ. اما حبوبهم فكانوا يشترونها من الكرك لتقوم نساء معان بجرشها ويباع قسم منها للحجاج. ويشير بيركهارت الى عرب الحويطات الذين كانوا يسيطرون على منطقة العقبة وكانوا على اتصال بمصر. كما يشير الى وجود عرب الحجايا في منطقة الحسا حيث كان الفلاحون يفلحون قطعاً من الاراضي هناك، وتأخذ عرب الحجايا نصف محصولهم. ولا يفوته ان يذكر بان قلعة القطرانة كان يحرسها جنود نظاميون من انكشارية دمشق وان رئيس تلك الفئة العسكرية كان يشتري القمح من الكرك ويبيعه على الحجاج بربح وفير.