إستانبول.. نور الخلافة يعود للعالم

المساهمات : 57 تاريخ التسجيل : 18/09/2007 العمر : 46

[color:5997=black:5997]

تمثل مدينة إستانبول نموذجًا للمدينة التي جمعت مختلف مفردات التاريخ الإنسانية والفكرية والاجتماعية والدينية؛ فهي مدينة شهدت العديد من الحضارات والأزمان والديانات، وتكفي نظرةً على تاريخ تأسيسها للتأكد من هذه الحقيقة؛ حيث إنها تأسست وفق أرجح الأقوال في القرن الأول الميلادي أو أوائل القرن الثاني؛ أي أنها واحدة من عدة مدن قليلة لا تزال قائمةً منذ ذلك التاريخ حتى يومنا هذا، بالإضافة إلى أن موقع تأسيسها أتاح الكثير من فرص التلاقي بين الحضارات المختلفة حتى أصبح اسمها اليوم مرادفًا لمفهوم حوار الحضارات.
روح الحضارات
منذ البداية والمدينة تحمل في طيات تاريخها بذور الحضارة؛ حيث تأسست على يد الإغريق الذين وفدوا إلى تلك المناطق التي تقع في الداخل التركي الآن قرب مضيق البسفور كمستعمرين وكان التأسيس- كما سبق أن قيل- بين القرنين الأول والثاني الميلاديين، وقد سميت باسم "بيزنطيَم"، وفي العام 196م تعرضت المدينة لما كانت تتعرض له المدن في ذلك التاريخ من حصار وتدمير إثر دخولها في تحالف ضد الإمبراطور الروماني سيبتيموس سيفيروس، وفي العام 324م أُعيد بناؤها على يد الإمبراطور قسطنطين الأكبر، وسمَّاها روما الجديدة، إلا أن ذلك الاسم لم تكتب له الحياة بعد ذلك فأصبحت تسمى "القسطنطينية"، ثم صارت فيما بعد عاصمة الإمبراطورية البيزنطية التي ورثت الإمبراطورية الرومانية في المشرق.

ثم دخل الإسلام في المدينة في أبريل من العام 1453م على يد الفاتح العثماني محمد الثاني الذي لُقِّبَ

بعد ذلك بـ"محمد الفاتح" بعد أن حاصرت قواته المدينة لمدة 7 أسابيع، وقد ظلت المدينة عاصمةً للخلافة العثمانية حتى قيام الجمهورية التركية في العام 1923م حيث تحوَّلت العاصمة إلى أنقرة.
وبنظرةٍ على التاريخ والجغرافيا لهذه المدينة يمكن ملاحظة أنها واحدة من المدن التي تستحق عن جدارةٍ تعبير "مدينة حضارية" بالنظر إلى أنها تقع في مكانٍ متوسطٍ بين الغرب والشرق؛ مما ساهم في أن تكون معبرًا للحضارات المختلفة وملتقى لها، بالإضافة إلى أن تاريخها أكد تلك الصفة؛ حيث أسسها اليونان ثم تحوَّلت إلى عاصمةٍ للإمبراطورية البيزنطية الأرثوذكسية قبل أن تتحوَّل إلى عاصمةٍ للخلافة العثمانية الإسلامية، وهو ما يوضح "الطبيعة الحضارية" لتلك المدينة منذ نشأتها ويؤكد ثرائها الحضاري.
المسجد الأزرق
ومن الطبيعي أن يكون في مدينة إستانبول عشرات المساجد التي تحمل الكثير من فنون الإسلام ونقوشه وعمارته الراقية، ومن بين أبرز تلك المساجد إن لم يكن أبرزها على الإطلاق مسجد السلطان أحمد المعروف بـ"المسجد الأزرق"، وهو يقع في ميدان اسمه ميدان السلطان أحمد، وقد بني بين عامي 1018هـ إلى 1020هـ على يد المعماري التركي الأشهر المهندس محمد أغا، ويمثل هذا المسجد تحفةً معماريةً تجعله واحدًا من أروع المساجد ليس في تركيا فحسب ولكن في العالم الإسلامي كله، بخاصة في المساء عندما تتم إضاءة الأنوار فيه.

أما عن هيئة ذلك المسجد فتتمثل في أن له سورًا مرتفعًا يحيط به من 3 جهات، وفي السور 5 أبواب منها 3 تؤدي إلى صحن المسجد و2 يؤديان إلى قاعة الصلاة، وأما صحن المسجد فهو فناء كبير تتوسطه ميضاءة سداسية محمولة على 6 أعمدة بها من النقوش ما يوضح تأثر الفنان الذي صممها بالفن الفارسي تماشيًا مع ما كان شائعًا في تركيا في تلك الفترة من تأثر بالفنون والآداب الفارسية والعربية.
أما المسجد من الداخل فإنه على شكل مستطيل بالطول لا بالعرض، ويبلغ طول ضلعه الأكبر 72 مترًا والأصغر 64 مترًا وتتوسطه قبة كبيرة يحوطها 4 من أنصاف القباب؛ بالإضافة إلى أن المسجد في كلٍّ من أركانه مغطى قبب صغيرة بها عدد كبير من النوافذ التي تسمح للضوء بالدخول إليه؛ حيث يسقط على ما يزيد على الـ210 ألفًا من البلاطات الخزفية البراقة، والتي تجمع أكثر من 50 تصميمًا منها تصاميم لزهور التوليب والقرنفل والفروع النباتية، وهي تغطى الجدارن بلونيها الأزرق والأخضر، كما تغطى ثلث كل عمود إلى ارتفاع الممرات؛ مما أضفى على المسجد من الداخل اللون الأزرق فعرف باسم "المسجد الأزرق".
وتعلو المسجد 6 مآذن، وهو الأمر الذي له قصة؛ حيث واجه السلطان أحمد انتقادات؛ لأنه بنى المسجد بـ6 مآذن مثل المسجد الحرام؛ مما دفع السلطان إلى تمويل بناء المآذنة السابعة في المسجد الحرام لتلافي الانتقادات والحفاظ على تفرد المسجد الحرام والاحتفاظ بتميز مسجده أيضًا عن غيره من المساجد التركية.
مساجد ومفكرون
ومن بعده يأتي العديد من المساجد من بينها المسجد الذي بناه بايزيد الثاني ابن السلطان محمد الفاتح والمسمى بـ"مسجد بايزيد"، وهو من أكبر وأجمل المساجد الموجودة في إستانبول، ويقع في ساحة اشتقت اسمها من اسمه فَسُمِّيَتْ "ساحة بايزيد" وبجواره قبر السلطان بايزيد الثاني.
وللمسجد حكاية طريفة فبعد بنائه لم يتم اختيار شخصٍ يؤم المصلين في أولى الصلوات، فبدا الجميع في

حيرة من أمرهم حتى لجأ إمام المسجد إلى طريقةٍ لاختيار الإمام، فطلب من الذي لم يفته أي فرضٍ طوال حياته أن يتقدَّم لإمامة الصلاة فتقدَّم السلطان بايزيد نفسه إلى الإمامة؛ لأنه كان الوحيد الذي لم تفته صلاة فرض طوال حياته من المجتمعين لأداء الصلاة.
كما يوجد في إستانبول أيضًا مسجد الفاتح، وهو يقع في ميدان الفاتح في المدينة، وقد شيده السلطان محمد الفاتح وصممه عتيق سنان في الفترة بين 1463م إلى 1470م، وأصبح نموذجًا للعمارة التركية الإسلامية، ومثل علامةً فارقةً على طريق تطوير طراز معماري تركي مستقل، وقد تهدم المسجد في العام 1766 بسبب أحد الزلازل، وتم بناؤه في العام الذي تلاه على يد السلطان مصطفى الثالث، وهو المسجد الذي لا يزال قائمًا إلى يومنا هذا.

ويتكون المسجد من قبة كبيرة قطرها 26 مترًا يُحيط بها أنصاف 3 قباب وتحملها 4 من الأعمدة الرخامية، وقد بُني على الطراز الباروكي، وهو طراز معماري عرف في القرن الـ17 الميلادي، وهو الطراز الذي وضح كأكثر ما يكون في الكتابات التي زينت جدران المسجد، وله مئذنتان متشابهتان، وقد كان في وقتٍ من الأوقات أحد أبرز المراكز التعليمية في المدينة.

وفي إستانبول أيضًا العشرات من المفكرين والأدباء الذين روجوا للفكر الإسلامي والحضارة الإسلامية في مختلف المجالات، وقد تراوحت تلك الإسهامات بين الماضي والحاضر، ومن بين أبرز المفكرين الذين أنجبتهم تلك البلاد محمد مهدي الإستانبولي، وهو أحد مفكري العصر الحديث الذي ترك لنا كتابًا في النصائح الزوجية الرشيدة، وهو كتاب "تحفة العروس أو الزواج الإسلامي السعيد" الذي ناقش فيه المشكلات التي تعترض المسلمين والمسلمات في الزواج والكيفية التي يمكنهم بها التصدي لتلك المشكلات

[/size][/center]