يوسف العظم.. شاعر الاقصى والقدس
يوسف العظم قامة اردنية عربية اسلامية شامخة.. قد يحار المرء في أي صنف ثقافي يحدده!! لذا فقد كان راحلنا الكبير شخصية موسوعية في مجالات كثيرة.. فهو السياسي والاديب والخطيب المفوه والنائب من فقراء الناس وشاعر القدس والاقصى الاسير وهو الصحفي ومؤلف الكتب المدرسية واناشيد الطلاب.. فمنذ ان يتفتح وعي الصغير على مقاعد الدرس لا بد له ان يحفظ قصيدته الروحية التهذيبية السهلة عبر ايقاعها الجميل:.
''وان سألتم عن الهي.
فهو رحمن رحيم.
او سألتم عن نبيي.
فهو انسان عظيم.
او سألتم عن كتابي.
فهو قرآن كريم.
او سألتم عن عدوي.
فهو شيطان رجيم''.
ومما جاء عن الراحل ''العظم'' في تراجم واعلام الادباء في الاردن مثل كتاب الباحث يوسف حمدان اقحوان على ضفاف النهر وكتاب الباحث محمد ابو صوفة اعلام الفكر والادب في الاردن: ''ولد يوسف العظم في مدينة (معان) جنوب الاردن سنة (1931) وتلقى فيها تعليمه الاولي، ثم اكمل تعليمه الثانوي في مدارس عمان.. ثم ذهب الى بغداد عاصمة الرشيد حيث درس عامين في كلية الشريعة، ثم سارت به رحلة العلم للوصول الى القاهرة والازهر الشريف ليدرس فيها اللغة العربية، ثم يلتحق مرة اخرى بمعهد التربية للمعلمين في جامعة عين شمس ليحوزعلى شهادتين في اللغة العربية والتربية وذلك في العامين 1953 - 4591.
وفي مصر مركز الحضارة والاشعاع الثقافي والروحي وموئل العلم يلتقي يوسف العظم هناك برجال الحركة الاسلامية وبأدبائها، وقد تمكن من طباعة كتابه الاول في مصر وكان بعنوان (الايمان واثره في نهضة الشعوب) والذي كتب له مقدمته المفكر الاسلامي والاديب الشهير (سيد قطب).
ويعود الاستاذ يوسف العظم بعد ذلك الى بلده الاردن ليعمل بكل جد ونشاط معلماً في المدارس الخاصة (الكلية العلمية الاسلامية) في عمان، حيث يدرس الثقافة الاسلامية والادب العربي فيها لمدة (
سنوات حتى العام 1964. واثناء عمله بالتعليم يقوم برئاسة تحرير صحيفة (الكفاح الاسلامي) التي كانت تصدر في عمان (1956-1958) ثم يقوم بتأسيس (مدارس الاقصى) المعروفة مع فريق من المربين والمثقفين.
وفي العام 1963 يمثل العظم محافظة معان في المجلس النيابي الذي حل فيما بعد، الا انه عاد الى المجلس مرة اخرى عام 1967 وقد اصبح مقررا للجنة التربية والتعليم في مجلس النواب الاردني، وعضوا في لجنة الشؤون الخارجية وعضوا في مجلس الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية.. ووجوده في تلك المواقع الهامة اتاح له الفرص لبناء علاقات عامة وصداقات عديدة مع مؤسسات وهيئات رسمية وشخصيات قيادية هامة، فزار عدداً من الاقطار العربية بدعوة من تلك الهيئات والمؤسسات وكانت في الغالب ثقافية وفكرية والقى فيها المحاضرات والندوات.
كما اتيحت لهذا الناشط الفكري زيارة عدد من الاقطار الاوروبية والولايات المتحدة الاميركية في مهمات عمل واطلاع على الانظمة البرلمانية والتربوية.. بدعوات رسمية واخرى من اتحاد وروابط شبابية كاتحاد الطلبة المسلمين في الولايات المتحدة ورابطة الشباب المسلم العربي.
ومن الجدير بالذكر ان الاستاذ الشاعر يوسف العظم قد اتيحت له عودة اخرى الى مجلس النواب عندما نجح في الانتخابات النيابية لعام 1989 ثم اسندت اليه فيما بعد حقيبة وزارة التنمية الاجتماعية.
ويؤكد الباحث الادبي يوسف حمدان ان يوسف العظم هو من شعراء الاردن المجيدين حيث ينتهج في كتاباته الشعرية والنثرية نهجاً اسلامياً (معتدلا).
وان العظم هو من المفكرين والكتّاب والمربين الذين ارقتهم قضية اغتصاب فلسطين وتشريد شعبها، فكان صوتاً شعرياً دافقاً وصارخاً.. وفي الوقت نفسه شخّص الداء وعرّف الدواء كما في قوله:.
(لو عرفنا الله ما شطّت بنا.
سبل التضليل او ذقنا الهوان.
غير انا امة قد اصبحت.
كل ما فيها.. حديث ولسان.
وقديماً في العام 1971 نشرت مجلة (الاديب) اللبنانية لصاحبها (البير اديب) كلمة للكاتب الاردني الراحل محمد ابو صوفة جاء فيها:.
الى الاخ المجاهد الاستاذ يوسف العظم.
تحية مفعمة بالتقدير والاعجاب..
حينما اطلعت على ديوانك الشعري الاخير (رباعيات من فلسطين) لم استغرب وانا استشف خلاله تلك الروح التي عرفناها فيك الا فياضة بحب الفردوس بحب فلسطين.
وليس ذلك بمستهجن عليك يا (ابا جهاد) وانت كنت وما زلت تعطي بلدك وشعبك من قلبك الحي النقي ووجدانك اليقظ الشيء الكثير.
لقد عرفناك في الصحف والاذاعة والتلفزيون صاحب رسالة.. وداعية حق وفارس قلم واستاذ جيل. عرفناك في مجموعتك القصصية (يا ايها الانسان) قاصاً بارعاً تصور جوانب النفس الانسانية وخلجاتها تصوير الذكي الحصيف والحاذق الماهر.
وعرفناك في ديوانك (في رحاب الاقصى) شاعرا يبحث عن وطنه الضائع.. ويبكي مسجده الاسير.. ويندب مجداً تمرغ في اوحال الهزيمة المرة.
الدكتور رحيل غرايبة قال عن يوسف العظم: ''لقد كان مثالا للصوت الوطني والجريء والكلمة الصادقة الحرة التي ما زالت اصداؤها تتردد تحت قبة البرلمان بصوته الجهوري ولغته الفصيحة وادبه المميز وشعره الموزون في صياغة علمية رصينة يحترمها الاصدقاء قبل الخصوم على حد سواء، وكان يحظى بتقدير كل الشخصيات الاردنية ورجالات السياسة والاحزاب على اختلاف انتماءاتهم ومشاربهم''.
اما الدكتور والشاعر والصحفي محمد ناجي عمايرة فيذكر عنه: ''انه ممن يحترمون الرأي الاخر.. خاصة في الطرح السياسي.. واذا كنا نختلف معه في بعض التوجهات فقد ظلل كل ذلك الاحترام.. وغطت دماثة الرجل ووعيه واخلاقه السمحة، ورحابة صدره على أي خلاف. وسجالاته القلمية تشير بوضوح الى مثل هذا الاختلاف في الرأي الذي لا يعكر صفو الود والعلاقة الحسنة.
والى جانب كل ما سبق فقد كان من الرعيل الاول الذين أسسوا جماعة الاخوان المسلمين في الاردن، فقد كان قياديا كبيرا وعضوا في المكتب التنفيذي وأمين السر العام فيها.. وكان شخصية ديناميكية فاعلة وايجابية مؤثرة وكان خطيبا مفوها ومناظرا بارعا وكاتبا لامعاً.
ومن قصائده الشهيرة في حب القدس وفلسطين فقد كتب ذات مرة ذاكرا في شعره المطربة الشهيرة ام كلثوم كوكب الشرق يعاتبهما عبر اغانيها التي خدرت الشعب العربي وألهته عن قضيته الاولى فلسطين فيقول:.
فلسطين لا تحب السكارى.
وربى القدس لا تريد النياما.
كوكب الشرق ضاع قومي لما.
تاه في حبك القطيع وهاما.
منحوك الاعجاب يا ويح قومي.
وعلى الصدر علقوك وساما.
ونشرت جريدة (الرأي) الاردنية بتاريخ 8/8/2007 أي بعد وفاة المفكر الكبير يوسف العظم باسبوع هذه الوثيقة الشعرية التي وجدت بين اوراق المرحوم بخط يده اذ جاء في مقدمتها:.
انا لله وانا اليه راجعون.
كل شيء هالك الا وجهه.
شاعر يرثى نفسه.
ومن الابيات الشعرية الخمسة التي يرثي فيها يوسف العظم نفسه في العام 2003 نختار البيتين التاليين:.
لقد مضى العمر اياما مبعثرة.
والعمر يمضي ولا الايام نحصيها.
لقد اتى اليوم كي القى محاسبة.
والنفس ترجو الهي كي يزكيها.