عروس الشمال .. إربد ، رحلة عبر ماضيها وحاضرها
"محافظة اربد ثاني محافظات المملكة الأردنية الهاشمية مساحة وسكاناً، وهي حاضرة المنطقة الممتدة من نهر اليرموك شمالا الى نهر الأردن غرباً الى الحدود العراقية شرقاً، وتعد هذه المدينة الجميلة المنظر والموقع ذات أهمية حيوية، ويبلغ عدد سكان مدينة " اربد " عام 1987 حوالي (150,000 نسمة) ويتبع محافظة اربد ألوية عجلون ، وجرش، والرمثا، والكورة، وبني كنانة، والأغوار الشمالية، وتشكل هذه الألوية مع مدينة اربد ثلث سكان المملكة الأردنية الهاشمية وإستطاعت اربد أن تستقطب إهتمام العديد من الكتاب والمهتمَين، نظراً لأهمية هذه المدينة الاستراتيجية والتجارية والاقتصادية في شمال الأردن، سنلقي هذه الأضواء على تاريخها من خلال هذه المقالة تبرز المعالم الحضارية والتاريخية فيها، وفي المناطق التابعة لها.
تشكل مدينة اربد مع ألويتها وحدة جغرافية متكاملة وذلك بسبب تضاريسها المتعددة والمتنوعة، فهناك الغور المنبسط ذو الطقس الحار صيفا واللطيف شتاء، ومرتفعات جبال عجلون التي تصل ارتفاعها إلى (1250)م عن سطح البحر، وتمتاز جبال محافظة اربد بكثافة الأشجار والغابات الحرجية دائمة الخضرة.
إربد في التاريخ
تعتبر مدينة اربد من المستوطنات البشرية القديمة الواقعة جنوب الشام، وتل اربد من أكبر التلال التي صنعها الإنسان في هذه المنطقة، ويعود تاريخه الى 5 آلاف سنة ق.م. وهناك شواهد تدل على وجود مدينة اربد تعود الى العصر البرونزي المتوسط(2000-1600ق.م)، وكانت تعرف بإسم أرابيلاArbilla ومنه اسمها الحالي. ومن الممكن أن تكون الاماكن المسماة " ارابيلا " و " اربد " الواقعة خارج اشور قد ابتناها أهل أرابيلا الأشوريه وسموها باسم مدينتهم.
وكانت اربد محاطة بسور ضخم مبني بالحجارة السوداء الكبيرة، وقد وجد فيها مغائر من العصر البرونزي، وبركة ماء رومانية، أما الدلائل السكانية التي تشير إلى نوع الحياة ما بين العصر البرونزي والروماني فقد اندثرت نتيجة للعوامل الطبيعية القاسية، وأهمها الزلازل الذي تعرضت لها المنطقة.
وفي العصر الروماني كانت اربد تحمل اسم " أرابيلا " Arbilla وكانت من مدن الحلف التجاري العشر " الديكابوليس " وتغلبت عبقرية المهندس الروماني على مشكلة الجفاف، بواسطة جرَ المياه عن طريق الأقنية التي ما تزال بعض آثارها موجودة إلى اليوم، وهناك بناء ضخم في مدينة اربد أقيم تكريماً للامبراطور الروماني ماركوس أنطونيوس راتيوس اغسطس.
أما في العصر الإسلامي فقد جاء في " معجم البلدان" لياقوت الحموي قوله " اربد " بالفتح ثم السكون والباء الموحدة مدينة بالأردن قرب طبرية، تقع على يمين طريق مصر. وفي كتاب القلقشندي " صبح الأعشى " جاءت اربد بالفتح والسكون وياء موحدة.
وسميت المنطقة المحيطة باربد غرباً وشمالاً إلى نهر اليرموك ووداي الأردن بالاقحوانة، نسبة إلى زهر الاقحوان الذي ينبت بكثرة في هذه المناطق، وقد تردد ذكر الاقحوانة في بعض المصادر الإسلامية. وحدثت فيها تلك الواقعة التي جرت في العصر الفاطمي الظاهر والقبائل العربية سنة (420هـ/1029م) وتردد اسم الاقحوانة في فترة الصراع الفرنجي في فلسطين سنة 1099م، وكان لمدينة اربد في العصر الأيوبي دور مهم في حركة الإتصالات والمواصلات بين دمشق وعكا على الساحل الفلسطيني، وكان من يريد أن يصل الى عكا عليه أن يسلك عبر مدينة اربد.
وتظهر أهمية اربد في العصر المملوكي ، إذ كانت تابعة لنيابة دمشق، واعتبرت ضمن المنطقة القبلية، وقد وصف القلقشندي هذه المنطقة ، وهي المنطقة الواقعة جنوب مدينة دمشق - حوران وشمال الأردن - بقوله : " وهي جل البلاد الشامية، وبها أرزاق العساكر الإسلامية، وطريق الحاج إلى بيت الله الحرام، وزيارة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وإلى الأرض المقدسة التى هي على الخيرات مؤسسة، وإلى الأبواب الشريفة السلطانية، وممر التجار القاصدين الديار المصرية، ومنازل العربان، ومواطن العشران".
وبالنسبة لوصف المدينة ن فقد مرَ بها الرحالة بيركهارت السويسري عام 1812م وذكرها بقوله : " اربد هي المكان الرئيسي في المنطقة التي تدعى بني جهمة، تقوم قلعة اربد على تل ، وتقع القرية عند سفحه ، والصخر الكلسي الذي يمتد عبر الصويت والمعراض وعجلون وبني عبيد. يبدأ هنا بإفساح المجال لحجر حوران الأسود المبنيَة منه جميع بيوت اربد، وكذلك الأسوار الحديثة المحيطة بالقلعة، والأثر الوحيد في هذا المكان هو بركة كبيرة قديمة حسنة البناء، وقد طرحت حولها عدة توابيت حجرية كبيرة مصنوعة من ذات الصخر مع بعض النقوش البارزة المنحوتة منها ".
اربد في العهد العثماني:
في عام 1851م شكلت الحكومة العثمانية سنجق عجلون وكان تابعاً لدرعا، واتخذت اربد مركزاً لهذا السنجق، وضم نواحي الكورة وبني جهمة والسرو والوسطية وبني عبيد والكفارات وجبل عجلون وجرش. وفي سنة 1910 كان قضاء عجلون يتألف من : مدينة اربد، ومن (120) قرية أخرى ، وعند إعلان الحرب العالمية الأولى عام 1914 فرض التجنيد الإجباري على سكان سنجق عجلون ، وبعد أن حلَت الهزيمة بالأتراك انسحب الجيش التركي السابع من إربد عام 1917، وفي الطريق هاجمه أهل الكورة وإستطاعوا أن يغنموا كميات من أسلحته وذخائره، وفي عام 1918 وصل لواء بريطاني إلى إربد لطرد الأتراك؛ ولكن لم يستطع الوصول الى المدينة.
وبعد إنسحاب الجيش البريطاني عام 1919 اصبحت اربد خاضعة للحكم الفيصلي في دمشق، وبقيت كذلك حتى إنتهاء العهد الفيصلي في شهر تموز عام 1920.
وفي أوائل عام 1920 تألفت في شرقي الأردن ثلاث إدارات محلية، عرفت بإسم الحكومات المحلية وهي: حكومة عجلون، وحكومة السلط، وحكومة الكرك، أما بالنسبة الى حكومة عجلون فكان مركزها اربد برئاسة القائم مقام على خلقي الشرايري ، وتشكَل لهذه الحكومة مجلس إداري تشريعي ليساعد القائم مقام على مهمته، وتقديم المشورة. وانتُخب علي خلقي الشرايري رئيساَ للمجلس، واتَُخِذ قرارٌ برفع العلم السوري العربي ذي النجمة على دار الحكومة والبلدية،وقرَرَ استعمال القوانين العثمانية، إلا أن هذه الحكومة واجهت عدة صعاب منها : عدم السيطرة على المنطقة فأدى ذلك إلى إنشقاق بعض النواحي، وتـأليف حكومات خاصة بها، لأن حكومة عجلون لم تكن تملك القوة الكافية لمنع هذا الانشقاق، وكانت هذه الحكومة مهتمة بوحدة شرقي الأردن أكثر من غيرها.
ومن الحكومات المحلية الأخرى ، حكومة دير يوسف التي تقع بين ناحيتي الكورة وبني عبيد، وتولَى نجيب الشريدة هذه الحكومة عام 1920، وكان أعضاء مجلس هذه الحكومة هم : كليب الشريدة ، ومحمد الحمود، وسالم الهنداوي، وعقلة محمد الصير، والحاج سالم الإبراهيم، ومحمد سعيد الشريدة، وأحمد العلي، وحكومة ناحية عجلون، وقد تأسست هذه الحكومة كحكومة مستقلة ومركزها عجلون، وقد تزَعمها الشيخ راشد الخزاعي، وقد تولى علي نيازي التل إدارة هذه الحكومة فترة من الزمن، كما تولَى الملازم عبداللَه الريحاني قيادة الدرك، وحكومة جرش وكانت برئاسة آل الكايد وتولى رئاستها القائم مقام محمد على المغربي، وفي ناحية الوسطية عين الشيخ ناجي العزام مديراً لهذه الناحية واتخذ بلدة قم مقرا ً له . وفي ناحية الرمثا عُين ناصرالفواز مديراً لها ومركزها بلدة الرمثا، وقد تم إلحاقها بقضاء عجلون.
وفي عام 1921 تولى سمو الأمير عبدالله إمارة شرق الأردن وانتهى عهد الحكومات المحلية وأخذت إمارة شرقي الأردن في النمو والتطور في مختلف الميادين.
المواقع الأثرية
من المواقع الأثرية التي ما زالت ماثلة للعيان في منطقة اربد:
· التل الصناعي : وهو أثر قائم في اربد ويحمل في جوفه بقايا المدينة القديمة.
· مطحنة الملقي : وهي اهم مركز اقتصادي في المدينة القديمة.
· خان حدو : أول مركز مواصلات في المدينة . وكان صلة الوصل ما بين البلدة والمناطق المحيطة. وهو قائم إلى الآن ويشغله متجر لبيع فراء الخراف.
· سوق الصاغة القديم بساحته المبلطة بالحجر الأسود: ويعود تاريخه إلى بديات هذا القرن ، وتشوَه كثيراً عن طريق استخدام الدهان وإقتلاع حجارة الساحة وتغطيتها بالإسفلت.
· نُزل غزالة: هو أول نُزل في البلدة كان ضيوف اربد ينامون فيه.
· السرايا القديمة: وهي شاهد كبير على تطور المدينة، ويعود تاريخها إلى العهد العثماني، وقد كانت مراكز الحكم ومجمعاً للدوائر الرسمية، ويشغلها حالياً سجن اربد.
· قصر الملكة مصباح: بني بالحجر الأحمر ليكون مقراً للملك عبداللَه أثناء زيارته للمدينة، تحول إلى مدرسة حملت نفس الاسم، ثم هدم وحل محله بناء تجاري ضخم.
· منزل علي خلقي الشرايري: ويشكل نموذجاً فريداً للفن المعماري في تلك الحقبة، وقد هدمت أجزاء كبيرة منه.
· دار الجودة: ويعود تاريخها إلى بديات القرن، كانت بمثابة دار للحكومة، ولفترات طويلة سكنها معظم الحكام الإداريين وضيوف المقاطعة من رجالات رسميين، وقد أقام بها، ولفترات، جلالة المغفور له الملك عبداللَه.
· منزل شاعر الأردن عرار: تم هدم أكثر من نصفه، وتحول ما هدم إلى محلات تجارية.
· مقام شرحبيل بن حسنة: ويقع هذا المقام في بلدة المشارع.
· مقام معاذ بن جبل: ويقع في بلدة الشونة الشمالية.
· مقام أبي عبيدة عامر بن الجراح: ويقع في الغور الأوسط.
· أم قيس: وكانت تعرف باسم " جدارا " وهي احدى المدن العشر"الديكابولوس" وتقع في الجهة الشمالية الغربية من مدينة اربد على بعد ( 30 ) كم ، حيث تقع على هضبة تطل على وادي اليرموك والحمة الأردنية وبحيرة طبريا، وكانت أم قيس مدينة يونانية رومانية ذات أهمية، وقد انشئت فيها جامعة تخرّج فيها الشاعر الروماني " ملياجر " وآخرون كانت لهم شهرة في ذلك العصر ، ومازالت الآثار الرومانية واليونانية ماثلة للعيان في أم قيس حتى الوقت الحاضر.
· بيت راس : إحدى المدن العشرْ الرومانية وكانت تعرف باسم " ديكابولوس " وتقع في الجهة الشمالية من مدينة اربد، وتعتبر إحدى ضواحيها. وفيها عدة هياكل وكنائس رومانية قديمة.
· تل الحصن: ويقع في بلدة الحصن تل صناعي يبلغ إرتفاعه 40م، ويعود إلى أوائل العصر البرونزي ( 3000 سنة ق.م )، وقد عثر على نقوش وكتابات تدل على أن ذلك التل كان قائماً في أيام الرومان والبيزنطيين.